مفهوم الإلتزام، و خصائصه
مقــــــــــدمــــــــــــة
:
يأخذ موضوع الإلتزام حيزا كبيرا لدى الباحثين في
مجال القانون, على إعتبار أن دراسته يتم داخل “النظرية العامة للإلتزام”، فهذه
الأخيرة تعد “العمود الفقري” للقانون و دراسة القانون يتطلب بالضرورة البحث في
نظرية الالتزام. و لعل مصطلح الالتزام له معان فلسفية و أخلاقية و إجتماعية،
وفلسفيا فالالتزام هو جوهر الحياة بمعنى أن الإنسان لا يمكنه أن يعيش بدون مبدأ
الالتزام…، وأخلاقيا فإن الالتزام هو المحافظة على مكتسبات المجتمع ككل، أما
إجتماعيا فهو تعهد إجتماعي….
أما قانونيا فالالتزام أو نظرية الالتزام يتكون من مبادئ هي:
– إحترام العهد و الوفاء به.
– تعويض الأضرار التي تصيب الغير نتيجة الخطأ.
– رد ما أثرى به الشخص على حساب غيره.
أما قانونيا فالالتزام أو نظرية الالتزام يتكون من مبادئ هي:
– إحترام العهد و الوفاء به.
– تعويض الأضرار التي تصيب الغير نتيجة الخطأ.
– رد ما أثرى به الشخص على حساب غيره.
المبحث الاول : مفهوم الإلتزام، و خصائصه:
المطلب الاول : مفهوم الإلتزام:
يمكن أن نعرف الإلتزام بأنه: “رابطة قانونية بين شخصين يلتزم بمقتضاها أحدهما و يسمى المدين، بالقيام بأداء مالي لمصلحةالآخر، الذي يسمى الدائن”. و يلاحظ أن هذه الرابطة القانونية تسمى بالحق الشخصي أو حق الدائنية، إذا نظرنا إليها من ناحية الدائن، وذلك لأن للدائن الحق في مطالبة المدين بما يقع على عاتقه من أداء، و إذا نظرنا إليها من ناحية المدين تسمى التزاما أو واجب شخصي، و ذلك لأن المدين يقع عليه عبء الوفاء بالأداء الذي التزم به تجاه الدائن فهو الطرف الملتزم في الرابطة.
و إنطلاقا من هذا التحديد عرفه بعض الفقهاء بأن الالتزام هو: “رابطة قانونية بين شخصين، أحدهما دائن و الآخر مدين، يترتب بمقتضاها على الطرف المدين تجاه الطرف الدائن نقل حق عيني أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل”.
و نلحظ مما سبق أن الالتزام يحتوي على مظهرين:
– الأول هو الرابطة الشخصية بين الدائن و المدين.
– الثاني هو هو مظهر القيمة المالية للالتزام و التي يتخذ بمقتضاها موقعا في ذمة الدائن كحق، و موقع في ذمة المدين كدين.
و يمكن القول أن المفهوم الذي وصل إليه الإلتزام في المرحلة التي وصل إليها من تطور في الوقت الحاضر هو المفهوم الذي يبرز المسألتين الآتيتين:
1-أن للالتزام ناحية مادية أي النظر إلى محله الذي هو العنصر المالي، كما أن له ناحية شخصية أي العلاقة التي تربط الدائن بالمدين، فالالتزام حالة قانونية تربط شخصا معينا.
2-أنه ليس ضروريا أن يوجد الدائن منذ نشوء الالتزام، و يدخل في ذلك جل التصرفات القانونية الأحادية الطرف الناشئة عن الإرادة المنفردة كما في الاشتراط لمصلحة الغير و الوعد بجائزة و الوصية.
و في هذا الصدد فإننا نأخذ بالتعريف الذي أخذ به الأستاذ عبد الرزاق السنهوري حيث عرف الالتزام على أنه: “حالة قانونية يرتبط بمقتضاها شخص معين بنقل حق عيني أو بالقيام بعمل أو الامتناع عن عمل”.
المطلب الثاني : خصائص الإلتزام:
يتبين لنا من خلال ما سبق، أن الالتزام يمتاز بمجموعة من الخصائص:
1-الإلتزام واجب قانوني:
أي يكفل القانون إحترامه لفائدة صاحب الحق، و هو مقرون بالجزاء الذي يفرضه القانون عند الإخلال به، و بهذا يختلف الالتزام عن الواجبات غير القانونية، كالواجبات الأخلاقية.
2- الإلتزام يقع على عاتق شخص معين:
و المقصود أنه لابد من وجود مدين معين وقت نشوء الالتزام، و هذا بخلاف الدائن الذي لا يشترط أن يكون معينا وقت نشوءه، بل يكفي أن يكون قابلا للتعيين في المستقبل، لكن مع ضرورة تعيينه منذ قيام الالتزام أو قبل تنفيذه. و يمكن تغيير أطراف الالتزام و انتقاله من طريق حوالة الحق بتغيير شخص الدائن.
3-الإلتزام له قيمة مالية:
أي أنه يمتاز بمالية الأداء، و مقتضى هذه الخاصية أن قواعد نظرية الالتزام لا تطبق إلا على الواجبات القانونية التي يمكن تقديرها بالنقود، لذا فإن الالتزام يدخل ضمن العناصر السلبية للذمة المالية للمدين، بينما يدخل ضمن العناصر الإيجابية للذمة المالية للدائن.
2- موضوع الإلتزام و عناصره:
أ- موضوع الإلتزام:
إن الإلتزامات هي التي يكون محلها العمل، و الأعمال بطبيعتها لا تقع تحت حصر، و بالتالي يجوز لأي عمل أن يكون محلا للإلتزام، ما دام هذا العمل ممكنا و معينا أو قابلا للتعيين و مشروعا، و يترتب عن ذلك أن الإلتزامات لا تقع بدورها تحت حصر لاستحالة حصر محلها.
و صورة العمل الذي يلتزم به المدين قبل الدائن، لايخرج إلتزامه على أن يكون إما التزاما بإعطاء شيئ أو التزاما بعمل أو التزاما بالامتناع عن عمل.
أولا: الألتزام بإعطاء شيئ:
الالتزام بإعطاء شيئ هو الالتزام بإنشاء أو بنقل حق عيني على منقول أو عقار لصالح الدائن، كإلتزام البائع بنقل ملكية الشيئ المبيع للمشتري أو إلتزام الواهب بنقل ملكية الشيئ الموهوب للموهوب له.
ثانيا: الإلتزام بعمل شيئ:
مقتضى الأداء في هذا الإلتزام قيام المدين بنشاط معين، كالالتزام بمبلغ معين من النقود، أو بتسليم شيئ غير النقود، كالالتزام بالتمثيل أو بالبناء أو بالدفاع في قضية معينة….
ثالثا: الإلتزام بالإمتناع عن عمل:
و يقصد به امتناع المدين عن القيام بعمل معين كان يجوز القيام به قانونا لولا هذا الإلتزام، و يسمى الإلتزام السلبي. مثل إلتزام بائع المحل التجاري ( الأصل التجاري ) قبل المشتري بعدم فتح محل تجاري معين منافس في نفس الحي، و إلتزام الجار الذي تعهد لجاره بعدم الإرتفاع ببنائه عن حد معين.
المبحث الثاني : تعدد
أطراف الالتزام ومحله
قد نجد في الالتزام محلا
واحد معينا، بالإضافة إلى دائن ومدين، على أن هذه الصورة البسيطة قد تتعقد حينما
يصبح للالتزام الواحد عدة محال، قد تجب كلها أو أحدها فقط أو بدلها، كما أن ذات
الالتزام قد يكون له عدة مدينين أو عدة دائنين قد يكون بينهم تضامن وقد لا يكون،
فهذه الصور المعقدة هي التي سنتولى دراستها الآن.
المطلب الأول : تعدد أطراف
الالتزام
يتخذ هذا التعدد صورا
ثلاثة : ( الأولى ) : أن يتعدد الأطراف ( أي الدائن والمدين )دون أن تكون بينهم
رابطة معينة ويسمى الالتزام هنا بالمتعدد الأطراف : ( الثانية ) : أن يتعدد
الدائنون أو المدينون ( أي أطراف الالتزام ) مع وجود ما يسمى بالتضامن بينهم،
فنكون حينئد أمام التزام تضامني ( إيجابي إن تعلق بالدائنين، وسلبي إن تعلق
بالمدينين) ( الثالثة ) : أن يتعدد أطراف الالتزام مع كون الالتزام ذاته غير قابل
للانقسام أو التجزئة.
1) الالتزام المتعدد الأطراف
يقصد بالالتزام المتعدد
الأطراف أن يتعدد الدائنون أو المدينون بحيث أن
الدين أو الالتزام ينقسم على عدد رؤوس الدائنين أو المدينين، أي ليس لكل دائن أن
يطالب إلا بنصيبه في الدين كما أن كل مدين لا يلتزم إلا بأداء نصيبه فحسب، وهذه
الصورة من الالتزام هي الأصل وهذا في غياب نص القانون أو الاتفاق أو طبيعة
المعاملة التي قد تحتم أحيانا عدم إمكانية العمل بهذا المبدأ، والأصل أيضا أن تكون
أنصبة الدائنين أو المدينين متساوية إلا أن يقضي نص القانون بغير ذلك، أما عن مصدر
هذا التعدد في الدائنين أو المدينين فقد يكون الاتفاق ( كأن يشتري عدة أشخاص أرضا،
أو يبيع شركاء على الشيوع أرضا لهم ، فنكون أمام عدة مدينين أو دائنين بالثمن )
وقد يكون نص القانون ( كحالة الورثة متى كان المورث دائنا للغير ).
أحكامه :
يترتب على التعدد أن ينقسم
الدين على عدد مدينيه أو دائنيه، بحيث ليس على كل مدين وليس لكل دائن إلا أداء
والمطالبة بنصيبه في الدين فقط، والأصل في الأنصبة التساوي إلا أن يقضي بخلاف ذلك،
هذا ومتى بطل التزام مدين معين اقتصر ذلك على نصيبه فقط ولا يتأثر البقية بذلك إلا
أن يكون سبب البطلان يشملهم جميعا، ونفس الحكم ينطبق على الدائن، كما إن إعذار
مدين معين أو قطع تقادم دينه، لا يتعدى أثر ذلك إلى بقية المدينين بل ينحصر فيه
فقط، ولو أعسر أحد المدينين تحمل الدائن وحده إعسار ذلك المدين.
2) الالتزام التضامني
أولا – التضامن الإيجابي :
( م : 217 إلى 221 مدني ) :
يقصد به أن يتعدد الدائنون
في دين واحد سواء في ذلك تعدد المدينون أو لم يتعددوا و ميزته أن يؤدي إلى عدم
تجزئة الدين على عدد الدائنين، بل يحق لكل دائن أن يطالب المدين بكل الدين،غير أن
هذا التضامن الإيجابي نادر الوقوع في الواقع العملي ثم إنه يمثل خطرا على بقية
الدائنين، فالدائنون يستطيعون الوصول إلى نفس نتيجة التضامن الإيجابي عن طريق
اللجوء إلى عقد الوكالة، ثم إن هذا التضامن يمثل خطرا عليهم فيما لو كان الدائن
الذي استوفى الدين كله سيئ النية أو أعسر فيما بعد، لهذا نجد أيضا أن التضامن
الإيجابي لا يفترض بل لا بد من النص عليه صراحة أو استخلاصه ضمنا.
أحكامه :
يترتب على التضامن
الإيجابي أن لكل دائن أن يطالب المدين بأن يفي له بكل الدين ( إلا أن يعترض على
هذا الوفاء بقية الدائنين مما يستوجب معه على المدين الوفاء بنصيب ذلك الدائن فحسب
)، وليس للمدين أن يدفع تلك المطالبة بأوجه دفع كبطلان التزامه أو فسخه، أو
انقضائه بالمقاصة أو الإبراء ... ) غير متعلقة بذلك الدائن، أما أوجه الدفع
المشتركة بين كل الدائنين (كبطلان الالتزام لعدم المشروعية، أو لسبق الوفاء ) فله
أن يدفع بها، هذا ويطلق على هذه النتيجة الأولى للتضامن الإيجابي بوحدة الدين.
والنتيجة الثانية للتضامن
الإيجابي، ويطلق عليها تعدد الروابط، تتمثل في أن أسباب انقضاء الالتزام، غير
الوفاء، كالمقاصة والإبراء واتحاد الذمة إلخ ، لا تؤثر في بقية الدائنين إلا بقدر
نصيب الدائن الذي قام في حقه سبب ذلك الانقضاء، فذلك السبب خاص بذلك الدائن فقط
فلا يضار منه بقية الدائنين.
والنتيجة الثالثة تتمثل في
أن الدائنين يعتبرون نائبين عن بعضهم البعض فيما ينفع فقط لا فيما يضر، أي أن هناك
نيابة تبادلية فيما بينهم، لكن فيما ينفع لا فيما يضر، ويترتب عن ذلك أن الإعذار
الذي يوجهه أحد الدائنين إلى المدين للوفاء مثلا يستفيد منه بقية الدائنين، فيعد
الإعذار وكأنه صدر منهم جميعا، وهذا على عكس الإعذار الذي يوجهه المدين لأحد
الدائنين فإنه لا يسري على بقية الدائنين فلا يضارون منه،ونفس الحكم يصدق على
الإقرار بالدين والمصلحة فيه وقطع التقادم ... ، وإن كانت الأحكام التي ذكرناها
تخص علاقة الدائنين المتضامنين بالمدين، فإن علاقة الدائنين المتضامنين ببعضهم
البعض يحكمها أن الدين الذي استوفاه أحد الدائنين، يفتح لبقية الدائنين حق الرجوع
عليه لكن كل بحسب حصته في الدين، مما يعني انقسام الدين عليهم، والأصل في حصص
الدائنين التساوي إلا أن يقضي الاتفاق أو القانون بغير ذلك.
ثانيا – التضامن السلبي :
( م : 222 إلى 235 مدني)
التضامن السلبي يخص حالة
تعدد المدينين، والتضامن الموجود بينهم لا يفترض، ولكن يجب النص عليه صراحة أو
استخلاصه ضمنا، أما مصدر هذا التضامن، فقد يكون نص الاتفاق أو نص القانون ( كما في
المقاولة ( م: 554 / 1 مدني )والوكالة ( م: 579/1 مدني ) والعمل غير مشروع ( م:
126 مدني ) ..) ويمثل التضامن السلبي وسيلة فعالة بيد الدائن لذي يخشى إعسار أحد
مدينيه لأنه يستطيع مطالبة أيا منهم بكل الدين.
أحكامه :
التضامن السلبي كالإيجابي
تحكمه المبادئ الثلاثة التي ذكرناها، أي وحدة الدين وتعدد الروابط والنيابة
التبادلية فيما ينفع، وهذا كله في علاقة المدينين المتضامنين بالدائن.
فبالنظر إلى وحدة الدين لا
يختلف ما قلناه في التضامن الإيجابي عن التضامن السلبي : فيحق لأي مدين الوفاء بكل
الدين بل ويلتزم بذلك متى رجع عليه الدائن، وليس لهذا المدين أن يحتج على الدائن
بدفوع تخص غيره من المدينين، في حين يستطيع الاحتجاج بالدفوع الخاصة به هو ( ككونه
قاصرا، أو شاب رضاه عيبا، أو تم إبراؤه من الدين، أو تمت مقاصة بين دينه ودين
الدائن )، وبتلك التي يشترك فيها كل المدينين ( كبطلان الالتزام بسبب عدم مشروعية
أو غياب المحل أو السبب، وغياب شكل انعقاد التصرف وتقادم الدين، وإبراء الدين عن
كل المدينين ).أما بالنظر إلى تعدد الروابط، فإن أسباب انقضاء الالتزام غير الوفاء
( كالمقاصة واتحاد الذمة، والإبراء من الدين، والتقادم ) كلها يترتب عليها أن يسقط
عن بقية المدينين قدر حصة المدين الذي قام في حقه سبب ذلك الانقضاء، أما بالنسبة
لتجديد الدين ( ويترتب عليه انقضاء الدين القديم بكل مقوماته بما فيها التضامن
وحلول دين جديد محله ) فإنه يجب على الدائن لئلا ينقضي دينه كلية مع بقية المدينين
الذين لم يحصل معهم تجديد للدين أن يحتفظ بحقه قبلهم، وبذلك يسقط عن بقية المدينين
حصة المدين الذي حصل معه التجديد للدين.
وأما النيابة التبادلية،
فهي فيما ينفع بقية المدينين ( كإعذار الدائن، وصدور حكم قضائي لصالح أحد المدينين
) لا فيما يضرهم ( كاعذار مدين معين وإقراره بالدين، والنكول عن حلف اليمين
..)، إذ في هذه الحالة الأخيرة يقتصر أثر ذلك العمل على المدين المعني فقط دون
غيره.أما عن علاقة المدينين المتضامنين ببعضهم البعض، فإن المدين الذي وفى بالدين
له الرجوع على بقية المدينين كل بحسب نصيبه في الدين، على اعتبار أن الدين ينقسم
عليهم هذه المرة، وإن حدث أن اعسر أحد المدينين حين رجوعه عليه، فإن هذا الإعسار
يتحمله بقية المدينين الموسرين، أما الرجوع فيتم بموجب دعوى شخصية ( مبنية على
الوكالة أو الفضالة ) أو بموجب دعوى الحلول، هذا والأصل في حصص المدينين أنها
متساوية إلا أن يقضي الاتفاق أو نص القانون بغير ذلك.
3) عدم قابلية الالتزام للانقسام ( م: 236 إلى 238
مدني)
يقصد بعدم قابلية الالتزام
للانقسام أو التجزئة أن يتم الوفاء به كملا وغير مجزء، ولا تظهر أهمية عدم قابلية
الدين للانقسام إلا حين تعدد الدائنين أو المدينين ذلك أنه في حالة هذا التعدد
سينقسم عليهم الدين بحسب الأصل إلا أن يكون الدين ذاته غير قابل للانقسام، إذ في
هذه الحالة يجب الوفاء أو استيفاؤه كاملا ولو لم يكن هناك تضامن بين الدائنين أو
المدينين أما في الحالة التي لا نكون فيها أمام تعدد الدائنين أو المدينين فلا
تظهر أهمية قابلية أو عدم قابلية الالتزام للانقسام لأن المدين لا يقبل منه الوفاء
الجزئي بدينه ( م: 277/1 مدني ).
أما عن سبب عدم قابلية
الدين للانقسام فقد يكون طبيعة الالتزام ذاته أو اتفاق الأطراف فبحسب طبيعة
الالتزام نجد أنه في الالتزام بعمل لا يمكن تجزئة تسليم مبيع واحد معين بذاته من طرف
البائع، كما لا يمكن تجزئة التزام البائع بالضمان في حالة تعدد البائعين كما أن
الالتزام بالامتناع عن عمل يكون دائما غير قابل للانقسام فهو إما أن يكون أولا
يكون، أما في الالتزام بإعطاء شئ ( أي نقل ملكية شىء أو نقل حق عيني آخر ) فإن نقل
الملكية إن أمكن تصور قابلية التجزئة، بحيث أن كل بائع ينقل ملكية نصيبه في
المبيع، إلا أن حقوقا عينية أخرى كالارتفاق ( م: 877 مدني ) أو الرهن الرسمي ( م:
892 مدني ) غير قابل للانقسام.
وقد يكون عدم قابلية
الالتزام للانقسام نتيجة اتفاق صريح أو ضمني لأطراف الالتزام وخاصة الدائن حيث
يكون من مصلحته النص عليه ( كجعل بدفع مبلغ نقدي غير قابل للانقسام، مع أنه
بطبيعته يقبل التجزئة ).
أحكامها :
يترتب على عدم قابلية
الدين للتجزئة في علاقة المدينين بالدائن، أن يستطيع الدائن أن يطالب أي مدين
بالوفاء بكل الدين، ويكون بذلك قد برئت ذمة بقية المدينين، على أن لهذا المدين أن
يحتج على الدائن بالدفوع الخاصة به ( كعيب شاب رضاه مما يجعل التزامه قابلا
للإبطال ) وبتلك المشتركة ( كبطلان التزام كل المدينين لعدم مشروعية المحل مثلا أو
لغياب السبب ... ) لا بتلك الخاصة بمدين آخر.
على أن أسباب انقضاء
الالتزام الأخرى غير الوفاء ( كالمقاصة والإبراء واتحاد الذمة والتجديد ) تؤدي
كلها إلى انقضاء الدين بالنظر إلى المدينين وهذا بسبب طبيعة لالتزام الذي لا يقبل
الانقسام.
على أنه طالما لا توجد بين
المدينين نيابة تبادلية كما في التضامن فالأعمال القانونية الصادرة من أحد المدينين
أو الدائن، تسري على بقية المدينين بسبب وحدة الدين ( وهذا كوقف التقادم أو
انقطاعه، وصدور حكم قضائي ضد مدين معين متى تعلق الحكم بالدين ذاته، أما إعذار أحد
المدينين أو إقرار أحدهم أو تصالحه مع الدائن فلا يسري على بقية المدينين لعدم
تعلق ذلك بالدين في ذاته ).
أما في علاقة المدينين
ببعضهم فلا يختلف الحكم عما سبق أن قررناه بصدد التضامن، فالمدين الذي وفى بالدين
كاملا له الرجوع – بدعوى شخصية أو بدعوى الحلول – على بقية المدينين، لكن كل بحسب
نصيبه في الدين، لأن الدين ينقسم عليهم هذه المرة، والأصل في الحصص التساوي إلا إن
يقضي الاتفاق أو نص القانون بخلاف ذلك، هذا وعسر أحد المدينين يتحمله البقية متى
كانوا موسرين.
هذا وما سبق أن ذكرناه من
أحكام عند تعدد المدينين، يصدق أيضا في حالة تعدد الدائنين والدين غير قابل
للتجزئة مع مراعاة الفرق في أن أي دائن يستطيع مطالبة المدين بكل الدين، وأن ما
استوفاه دائن معين، يمكن بقية الدائنين الآخرين من الرجوع عليه ليستوفوا منه حصصهم
التي تنقسم عليهم في هذه المرة في علاقتهم ببعضهم البعض.
المطلب الثاني : تعدد محل
الالتزام
لتعدد المحل ثلاث صور :
فإما أن يكون المدين ملتزما بأداء عدة محال في أن واحد ( كأن يتقايض اثنان فيلتزم
أحدهما بإعطاء سيارة ومبلغ نقدي )، وإما إن يلتزم المدين بأداء محل واحد من عدة
محال، وإما أن يلتزم بمحل واحد لكن يمكنه أن يبرئ ذمته من الدين إن هو أدى بدلا من
الالتزام الأصلي، ويطلق على الصورة الأولى الالتزام المتعدد المحل، وعلى الثانية
الالتزام التخييري، أما الثالثة فيطلق عليها الالتزام البدلي.
1) الالتزام التخييري ( م
: 213 إلى 215 مدني)
يقصد بالالتزام التخييري
أن يكون محل التزام المدين عدة محال، على أن تبرأ ذمته إن هو أدى واحدا فقط من تلك
المحال ( من ذلك أن يلتزم الشريك في شركة بتقديم حصة من مال أو أرض أو عمل، أو أن
يشترط الواهب على الموهوب له إسكانه أو إطعامه أو ترتيب إيراد له .. ) والذي يظهر
من هذا النوع من الالتزامات أن الدائن يريد أن يضمن لنفسه التنفيذ العيني للالتزام
بحيث أنه حتى ولو تلف أحد المحال بقيت الأخرى قابلة للوفاء بها.
هذا ولا نكون أمام التزام
تخييري إلا أن تكون هناك عدة محال، منذ نشأة الالتزام مستوفية لشروط المحل العامة،
وأن يكون الوفاء بواحد منها فحسب.
أحكامه :
الأصل في الاختيار بين
المحال المتعددة أن يكون للمدين إلا أن يقضي نص القانون أو الاتفاق بخلاف ذلك،
ومتى كان الاختيار للمدين ولم يفعل، أو تعدد المدينون إلا أنهم لم يتفقوا، فإن
للدائن في هذه الحالة رفع الأمر إلى القاضي الذي يحدد أجلا للمدين لمباشرة
اختياره، فإن لم يفعل بعدها تولى القاضي بنفسه الاختيار، هذا ويكيف الاختيار على
أنه تصرف بإرادة منفردة، مما يجب معه توافر شروط ذلك التصرف القانوني المعهود،
ويترتب على حصول الاختيار، أن ينقلب الالتزام التخييري إلى التزام بسيط وهذا منذ
نشأة الالتزام لا من تاريخ وقوعه.
وفي الحالة التي يكون
الاختيار بين المحال المتعدد للدائن ولم يفعل، أو تعدد الدائنون، ولم يتفقوا فيما
بينهم، كان للمدين أن يطلب من القضاء تعيين أجل للدائن لمباشرة الاختيار، فإن لم
يحصل شيء من ذلك، آل أمر الاختيار إلى المدين باعتباره صاحب الحق الأصلي.
ومما يتصل بالاختيار أن
نواجه هلاك إحدى المحال أو هلاكها جميعا إما بسبب أجنبي أو بخطأ أحد الطرفين ،
وتناولت ( م: 215 مدني ) حالة هلاك جميع المحال بسبب المدين أو أنه السبب في هلاك
إحداها، وفي مثل هذه الحالة يجب على المدين أن يفي بقيمة آخر شيء هلك، أما لو كان
هلاك جميع المحال بسبب أجنبي فقد برئت ذمة المدين تماما، أما إن هلك أحد المحال
بسبب أجنبي أو بسبب المدين، وجب على الأخير الوفاء بالمحل الباقي.
2) الالتزام البدلي ( م: 216 مدني )
وهو أن يقتصر محل التزام
المدين في شيء واحد، إلا أنه يخول مع ذلك للمدين تبرئة لذمته، أن يؤدي بديلا عن
المحل الأصلي ( وهذا كأن يلتزم المقترض برد مبلغ القرض ولكن يتم الاتفاق أيضا أنه
يستطيع الوفاء بشيء بديل وهذا كسيارة أو قطعة أرض ... ) وميزة الالتزام البدلي، أن
التزام المدين يتحدد بالشيء الأصلي فقط ككونه عقارا أو منقولا من ذلك في الاختصاص
المحلي للقضاء ، ثم إنه حتى ولو اختار المدين الوفاء بالبديل فإن التزامه لا ينقلب
إلى التزام بسيط، بل يبقى على طبيعته الأصلية.
أحكامه :
يترتب على القول أن التزام
المدين يتحدد بالشيء الأصلي ( لا البديل ) أنه متى هلك المحل الأصلي بسبب أجنبي
برئت ذمة المدين، أما إن كان سبب الهلاك الدائن، فيعد كمن استوفى حقه، أما في حالة
هلاك البدل فحسب، وكان ذلك راجع إلى سبب أجنبي، فيجب على المدين الوفاء بالمحل
الأصلي، أما إن كان بسبب الدائن فللمدين أن يرجع على الدائن بقيمة ذلك البدل، ولو
أن المحل الأصلي هلك بسبب المدين فيكون في هذه الحالة مسؤولا عن التعويض إلا أنه
يملك – كما هو الاتفاق – على بذل البدل وبذلك تبرأ ذمته، ونجد في القانون المدني
أمثلة عن الالتزامات البدلية ( كتوقي دعوى الإبطال بسبب الاستغلال بعرض الثمن الذي
يراه القاضي كافيا لرفع الغبن ( م : 90/3 مدني )،وتوقي البائع دعوى ضمان الاستحقاق
برد ما دفعه المشتري للغير من نقود أو أداء آخر ( م: 374 مدني ) ودفع المتنازل ضده
للثمن الذي تلقاه المتنازل له من المتنازل عن الحقوق المتنازع فيها ( م : 400/1
مدني ).
خاتمـــــــــــــــــة :
من منطلق دراستنا نخلص أنه سواء كان ناجما عن التصرفات القانونية الداخلة في ارادة الفرد او الخارجة عن ارادته تترتب عنه مسؤولية المدين فيكون حينها مجبر وملزم على تنفيذ ما التزام به تجاه دائنه اذا كان التزامه ناتجا عن ارادته اما اذا كان خارجا عن ارادته واملته عليه ضروف معينه فانه يلتزم بالتعويض بالقدر الذي تكون له مسؤولية في ذلك ، اذ أن الذي يقوم ابنه القاصر بتحطيم زجاج بيت جاره ، لا يمكن له أن يتنصل من المسؤولية بسبب عدم تقصيره في حراسة ابنه ، اذ ان مجرد حصول التعدي من ابنه القاصر علي غيره قرينة مؤكدة لا تقبل العكس بتقصيره في حراسة ابنه وبالتالي فهو مسؤول مسؤولية كاملة ويجب عليه التعويص لجبر الضرر.
من منطلق دراستنا نخلص أنه سواء كان ناجما عن التصرفات القانونية الداخلة في ارادة الفرد او الخارجة عن ارادته تترتب عنه مسؤولية المدين فيكون حينها مجبر وملزم على تنفيذ ما التزام به تجاه دائنه اذا كان التزامه ناتجا عن ارادته اما اذا كان خارجا عن ارادته واملته عليه ضروف معينه فانه يلتزم بالتعويض بالقدر الذي تكون له مسؤولية في ذلك ، اذ أن الذي يقوم ابنه القاصر بتحطيم زجاج بيت جاره ، لا يمكن له أن يتنصل من المسؤولية بسبب عدم تقصيره في حراسة ابنه ، اذ ان مجرد حصول التعدي من ابنه القاصر علي غيره قرينة مؤكدة لا تقبل العكس بتقصيره في حراسة ابنه وبالتالي فهو مسؤول مسؤولية كاملة ويجب عليه التعويص لجبر الضرر.