ماهو المنهج التاريخي وما علاقته بالعلوم السياسية؟

0


مقدمة
إنّ البحث العلمي يعتبر من ضروريات هذا العصر، فهو المحرك لكل تقدم في كافة المجالات ولم تصل الدول الصناعية إلى ما وصلت إليه إلا بفضل تشجيعها وسهرها الدائم على تطوير البحث العلمي، و إذا كانت هذه هي مكانة البحث العلمي في تقدم العلوم و المعرفة، فإنّ المنهجية تعتبر محرك البحث العلمي ذاته، وعلم المناهج الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علم و بتحديد الطريقة التي يتشكل ويتكون بها أي علم من العلوم فعلم المناهج هو إذا العلم الذي يبحث في مناهج البحث العلمي والطرق العلمية التي يكتشفها ويستخدمها العلماء والباحثون من أجل الوصول إلى الحقيقة والمناهج عديدة وسننتطرق في عرضنا هذا إلى المنهج التاريخي وقبل الخوض في الموضوع يتوجب علينا طرح الاشكالية الاتية:
ماهو المنهج التاريخي وما علاقته بالعلوم السياسية؟
وللإجابة عن هذه الاشكالية اقترحنا الفرضيات التالية:
-       المنهج التاريخي هو مهج علمي.
-       بما أن المنهج التارخي هو منهج علمي بالتالي يمكن استعماله لدراسة العلوم السياسية.
وللتحقق من الفرضيات السابقة اتبعنا الخطة التالية حيث قسمنا بحثنا إلى ثلاثة مباحث وكل مبحث إلى مطلبين وتطرقنا في المبحث الأول إلى مفهوم المنهج التاريخي في المبحث الثاني فإلى علاقة المنهج التاريخي بالعلوم السياسية اما المبحث الثالث حاولنا جمع مزايا وعيوب المنهج التاريخي .

    المبحث الأول _ مفهوم المنهج التاريخي
قبل التطرق إلى تعريف المنهج التاريخي يتوجب علينا التعرج على التاريخ كعلم قائم بخد ذاته إذ يعرفه هومر كيت بأنه "السجل المكتوب للماضي أو للحداث الماضية" ويعرفه ألان نفنس بأنه "وصف الحوادث أو الحقائق الماضية وكتابتها بروح البحث الناقد عن الحقيقة الكاملة" ويقول العلامة ابن خلدون: إذ هو ظاهرة لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى..." لذا لا يمكن لأي باحث أن يستغني عن التاريخ لما له من أهمية ولما لمعطياته من دور في تزويد وتوجيه الباحث لما يحتاج إليه وبالتالي يمكن طرح السؤال التالي هل للتاريخ علاقة بالمنهج التاريخي وهذا ما سنحاول الاجابة عليه في دراستنا لهذا المبحث

المطلب الأول: تعريف المنهج التاريخي
من خلال التعريفات السابقة للتاريخ يمكن لنا أن نستنبط مفهوم المنهج التاريخي نظرا لكونه لا ينفصل عن علم التاريخ فمنهج البحث التاريخي هو أداة علم التاريخ في تحقيق ذاته، كما أن المنهج التاريخي هو أداته في الوصول إلى القوانين والتعميمات التي تفيدنا في الدراسات المستقبلية (التنبؤ) .
فالمنهج التاريخي هو الطريق الذي يتبعه الباحث في جمع معلوماته الأحداث والحقائق الماضية وفي فحصها ونقدها وتحليلها والتأكد من صحتها وفي عرضها وترتيبها وتفسيرها واستخلاص التعميمات والنتائج العامة منها والتي لا تقف فائدتها على فهم أحداث الماضي فحسب بل تتعداه إلى المساعدة في تفسير الأحداث والمشاكل الجارية وفي توجيه التخطيط بالنسبة للمستقبل ويقوم المنهج التاريخي على أساس من الفحص الدقيق والنقد الموضوعي للمصادر المختلفة للحقائق التاريخية ويستعمل في جمع المعلومات ونقدها وترتيبها وتنظيمها وتفسيرها واستخلاص النتائج العامة منها كثيرا من وسائل البحث العلمي وأدواته التي تستخدمها مناهج البحث الأخرى.
يعرف المنهج التاريخي كمنهج من مناهج البحث العلمي يقوم بالبحث والكشف عن الحقائق التاريخية من خلال تحليل وتركيب الأحداث والوقائع الماضية المسجلة في الوثائق والأدلة التاريخية وإعطاء تفسيرات وتنبؤات علمية عامة في صورة نظريات وقوانين عامة وثابتة نسبيا. المنهج التاريخي له عدة تعريفات عامة وخاصة منها التعريف العام الذي يقرر صاحبه بأنه الطريقة التاريخية التي تعمل على تحليل وتفسير الحوادث التاريخية الماضية كأسا لفهم مشاكل المعاصرة والتنبؤ بما سيكون عليه المستقبل
من التعريفات التي تتمتع بالدقة والشمولية في حصر عناصر ومراحل المنهج التاريخي الذي يقرر بأنه يمكن تعريف المنهج التاريخي بأنه" مجموعة الطرائق والتقنيات التي يتبعها الباحث التاريخي والمؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية واعادة بناء الماضي بكل دقائقه وزواياه بما كان عليه في زمانه ومكانه وبجميع تفاعلات الحياة فيه

المطلب الثاني: عناصر ومراحل المنهج التاريخي
ألف المنهج التاريخي من عناصر ومراحل متشابكة ومتداخلة ومترابطة ومتكاملة في تكوين هوية وبناء المنهج التاريخي ومضمونه، كمنهج من ناهج البحث العلمي يقود العقل الانساني بطريقة علمية منتظمة ودقيقة نحو الحقيقة العلمية التاريخية وعناصر ومراحل المنهج التاريخي هي :
أولا   : تحديد المشكلة العلمية التاريخية
المقصود بتحديد المشكلة العلمية التاريخية هو تحديد الموضوع أو الفكرة العلمية التاريخية التي تقوم حولها التساؤلات والاستفسارات العلمية التاريخية الأمر الذي يؤدي إلى تحريك عملية البحث العلمي التاريخي لاستخراج فرضيات علمية تكون الاجابة العلمية الصحيحة والثابتة فلهذه التساؤلات والاستفسارات التاريخية.
المشكلة العلمية التاريخية هي الفكرة المحركة والقائدة والموجهة للبحث العلمي التاريخي فصد الوصول إلى فرضيات ونظريات وقوانين ثابتة وعامة تفسر وتكشف الحقيقة العلمية التاريخية لهذه الفكرة القائدة وتعتبر عملية تحديد المشكلة تحديدا واضحا ودقيقا علميا من أول وسائل نجاح البحث العلمي في الوصول إلى الحقيقة التاريخية.
كما يشترط في عملية تحديد المشكلة التاريخية الشروط التالية:
أن تكون معبرة عن العلاقة بين متحولين أو أكثر.
أن تصاغ المشكلة صياغة جيدة وواضحة وكاملة وجامعه مانع لكافة عناصرها.
أن تكون المشكلة عملية تحديد المشكلة وصياغتها بطريقة جيدة وملائمة لاستخدام البحث العلمي ويجب أن تحدد وتصاغ المشكلة التاريخية بطريقة علمية.

ثانيا: حصر وجمع الوثائق التاريخية
بعد عملية تحديد المشكلة العلمية وصياغتها تأتي مرحلة جمع كافة الحقائق والوقائع المتعلقة بهذه المشكلة وذلك عن طريق حصر وجمع كافة المصادر والوثائق والآثار والتسجيلات المتصلة بعناصر وأجزاء المشكلة ودراسة وتحليل هذه الوثائق والمصادر بطريقة علمية سليمة للتأكد من هويتها وصحتها وصدق وسلامة مضمونهت. ونظرا لحيوية وخطورة وأهمية الدور الذي تقوم به الوثائق والمصادر التاريخية في تكوين المنهج التاريخي وفي القيام بعملية البحث عن الحقيقة التامة خيث أن الوثائق التاريخية هي جوهر المنهج التاريخي لذلك يطلق البعض على المنهج التاريخي اسم المنهج الوثائق أو البحث الوثائقي.
لذلك يستوجب الأمر في تحديد معنى الوثائق وبيان معناها اللغوي والاصطلاحي وتحديد أنواعها المختلفة وتوضيح كيفية تحليلها ونقدها وتقييمها كأدلة عملية للتجريب والتحليل والتركيب للوقائع والأحداث الماضية لاستنباط الحقائق العلمية التاريخية في صورة فروض ونظريات وقوانين علمية عامة وثابتة ودقيقة

المبحث الثاني : تطبيق المنهج التاريخي في مجال العلوم السياسية
قبل التطرق إلى تطبيق المنهج التجريبي على العلوم السياسية يستوجب علينا تعريف هذه الأخيرة علم السياسة يطرح اليوم على انه المعرفة الوصفية و التحليلية و التبصيرية للدولة وللظواهر المتعلقة بها

المطلب الأول : تطبيقات المنهج التاريخي في ميدان العلوم السياسية
يطلع المنهج التاريخي بدور حيوي في ميدان الدراسات والبحوث العلمية السياسية التي تتمحور وتتركز حول الوقائع والأحداث والظواهر السياسية المتحركة والمتغيرة والمتطورة باعتبارها وقائع وأحداث اجتماعية وإنسانية في الأصل الأساسي .
فيقدم المنهج التاريخي الطريقة العلمية الصحيحة والمؤكدة للكشف عن الحقائق العلمية التاريخية للنظم والأصول والعائلات والمدارس والنظريات والفلسفات والقواعد والأفكار السياسية فمادامت الأصول والنظم والنظريات والأسس الفلسفات والأفكار والمبادئ والقواعد أساليب وأنظمة الحكم ضاربة جذورها في أعماق وأبعاد تاريخ الحضارات الانسانية المختلفة وعبر القرون الزمنية الممتدة إلى أبعاد وأعماق الماضي الإنساني البعيد فإن المنهج التاريخي هو المنهج العلمي الوحيد الذي يقود إلى معرفة الأصول أو النظم والفلسفات والأسس والمبادئ التي قامت عليها الدول وسياساتها وذلك بطريقة علمية صحيحة وواضحة عن طريق حصر وجمع كافة الوثائق التاريخية المتعلقة بالحوادث والوقائع السياسية وتحليلها ونقدها وتركيبها وتفسيرها تاريخيا لمعرفة وفهم حاضر فلسفات ونظم وقواعد ومبادئ وأفكار السياسية النافذة والسارية المفعول. القيام بالبحوث والدراسات العلمية المقارنة لفهم واقع النظم السياسية فهي سليمة وحقيقية أولا لتطويرها بما يجعلها أكثر ملائمة وتفاعلا وانسجاما مع واقع البيئة والحياة الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة ولجعلها أكثر تطورا وتقدما قياسا إلى ماضيها وتاريخها.
فبواسطة المنهج التاريخي يمكن التعرف على الحقائق العلمية التاريخية المتعلقة بالنظم والأحكام والنظريات السياسية القديمة والماضية.

المطلب الثاني : تقييم المنهج التاريخي في ميدان الدراسات والبحوث السياسية
يقوم المنهج التاريخي بدور كبير في اثبات واكتشاف الحقائق التاريخية والسياسية بطريقة علمية وموضوعية ودقيقة وذلك عن طريق تأصيل واثبات هوية الوثائق السياسية التاريخية بتقييمها وتحليلها تاريخيا واستخراج الحقائق والنظريات العلمية حول الحقيقة التاريخية وعليه المقصود معرفتها والتعرف عليها .
تزداد قيمة المنهج العلمي التاريخي قوة ومنفعة علمية في ميدان الدراسات والبحوث العلمية السياسية لأن معظم الأفكار والظواهر والنظريات السياسية ترجع في جذورها وأصولها التاريخية إلى أبعاد وأعماق التاريخ البعيد لذا كانت معرفة واستخدام المنهج العلمي التاريخي في ميدان العلوم السياسية حتمية علمية ومنهجية قائمة في مجال الدراسات والبحوث السياسية.
كما لا يمكن فهم حاضر واقع قواعد وأحكام وأصول النظم السياسية الحالية إلا عن طريق معرفة أصولها وجذورها التاريخية الماضية ولا يمكن معرفة ذلك معرفة علمية حقيقية كاملة ويقينية إلا باستخدام المنهج التاريخي استخداما جيدا وسليما. فعن طريق الالتزام في ماضي الحضارات الانسانية المختلفة هكذا يمكن لنا معرفة الأصول والجذور والتطبيقات التاريخية الماضية لأحكام وقواعد ومبادئ نظريات العقود والمسؤولية والبطلان والمركزية الإدارية ومبدأ تدرع السلطة الرئاسية والرقابة السياسية

ـالمبحث الثالث :  مزايا وعيوب المنهج التاريخي

المطلب الاول  مزايا المنهج التاريخي
- 1. يعتمد المنهج التاريخي الأسلوب العلمي في البحث. فالباحث يتبع خطوات الأسلوب العلمي مرتبة، وهي: الشعوربالمشكلة، وتحديدها، وصياغة الفروض المناسبة، ومراجعة الكتابات السابقة، وتحليلالنتائج وتفسيرها وتعميمها.
- 2. اعتماد الباحث على المصادرالأولية والثانوية لجمع البيانات ذات الصلة بمشكلة البحث لا يمثل نقطة ضعف في البحثإذا ما تم القيام بالنقد الداخلي والنقد الخارجي لهذه المصادر.
.
المطلب الثاني عيوب المنهج التاريخي
-أن المعرفة التاريخية ليست كاملة، بل تقدم صورة جزئية للماضي؛ نظرا ًلطبيعة هذه المعرفة المتعلقة بالماضي، ولطبيعة المصادر التاريخية وتعرضها للعوامل التي تقلل من درجة الثقة بها، من مثل: التلف والتزوير والتحيز .

- صعوبة تطبيق الأسلوب العلمي في البحث في الظاهرةالتاريخية محل الدراسة؛ نظراً لأن دراستها بواسطة المنهج التاريخي يتطلب أسلوباًمختلفاً وتفسيراً مختلفاً.

- صعوبة تكوين الفروض والتحقق من صحتها؛ وذلك لأن البيانات التاريخية معقدة، إذ يصعب تحديد علاقة السبب بالنتيجةعلى غرار ما يحدث في العلوم الطبيعية.

- صعوبة إخضاع البيانات التاريخية للتجريب، الأمر الذي يجعل الباحث يكتفي بإجراء النقد بنوعية الداخلي والخارجي.

- صعوبة التعميم والتنبؤ؛ وذلك لارتباط الظواهر التاريخية بظروف زمنية ومكانية محددة يصعب تكرارها مرة أخرى من جهة، كما يصعب على المؤرخين توقع المستقبل.

 الخاتمة
لقد انقسم الباحثون إلى قسمين، قسم معارض لاستخدام المنهج التاريخي في البحث العلمي نظرا لعدم خضوع هذه الدراسات للتجريب وعدم القدرة على ضبطها نظرا لتغير الظروف والعوامل والمسببات وقسم ثان مؤيد لاستخدام المنهج التاريخي في البحث العلمي نظرا لإخضاع المادة التاريخية لنوعي النقد اللذان سبق التطرق إليهما مع تسجيل بعض الملاحظات نوجزها فيما يلي:
-المعرفة التاريخية جزئية حيث لا يمكننا الحصول على المعرفة الكاملة للماضي وفي هذا الشأن يقول فان دالين "أن من شهدوا الماضي لا يتذكرون سوى جزء منه ولم يسجلوا سوى جزء مما تذكروا، وضاع جزء مما سجلوا، واكتشف الباحثون صحة جزء مما سجل، وفهموا جزءا من التسجيل الصحيح، ونقلوا جزءا مما فهموا، وبذلك تبقى المعرفة التاريخية معرفة جزئية"
-صعوبة تطبيق المنهج العلمي نظرا لطبيعة الظاهرة وصعوبة اخضاعها للتجريب، وبالتالي لا يمكن وضع فروض معينة ومن ثم اختبارها ونظرا لكون المصادر التاريخية عرضة للخطأ.
-يصعب الوصول إلى نتائج تصلح للتعميم نظرا لارتباط الظاهرة التاريخية بظروف زمنية ومكانية يصعب تكرارها .
رغم ما سبق ذكره إلا أن المنهج التاريخي لا يمكن الاستغناء عنه عند درستنا لتطور ظاهرة ما وارتباطها بالحاضر. .


لا يوجد تعليقات

أضف تعليق