مفهوم الفساد الإداري

0

مفهوم الفساد الإداري 


المقدمة
شهدت السنوات القليلة الماضية اعترافا متناميا بمشكلة الفساد والتصدي لمناقشتها و لقيت اهتماما متجددا من الباحثين وصانعي السياسات على السواء، وتأسست العديد من الهيئات الوطنية والدولية لمكافحة هذه الظاهرة الخطيرة على البنيان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدول،و تبرز أهمية دراسة موضوع  الفساد نظرا لدرجة اتساعه وشموليته، فهو يمس الاقتصاديات المتقدمة والنامية على حد سواء .
الإشكالية
ما هو تأثير ظاهرة الفساد الإداري على مسار التنمية في الجزائر ؟
ما هو واقع التنمية في الجزائر وما مظاهر الفساد فيها ؟
الفرضيات
هناك ارتباط وثيق بين ظاهرة الفساد الإداري والفساد السياسي ، حيث لا يظهر الفساد الإداري إلا في بيئة سياسية فاسدة.
الــمــبــحــث الأول : مفهوم الفساد الإداري :
مفهوم الفساد الإداري. ليس هناك تعريف محدد للفساد ، لكن هناك عدة توجهات متنوعة تتفق كلها في كون أن الفساد هو إساءة استعمال السلطة العامة أو الوظيفة العامة للكسب الخاص ما يؤذي إلى إلحاق الضرر بالمصلحة العامة ، وسنورد في هذا الصدد بعض التعريفات المختلفة التي سعت لتحديث و إثراء  ماهية الفساد الإداري وهي كالتالي: عرفته )منظمة الشفافية الدولية( بأنه ":كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة لنفسه أو جماعته" . ويعرفه )البنك الدولي(" سوء استغلال السلطة العامة من أجل الحصول على مكاسب خاصة " . وتعرفه )موسوعة العلوم الاجتماعية(" باستخدام النفوذ العام لتحقيق أرباح أو منافع خاصة " . وتعرفه الموسوعة الحرة ( Wikipedia)  الفساد مفهوم عام يصف أي تنظيم أو نظام مستقل لا يتم أداء جزء من واجباته أو مهامه بالشكل المعتاد أداؤه بصورة طبيعية أو أدائه بصورة خاطئة تخالف الغرض  الأساسي من تحديد النظام . [1]
 . ويعرفه (فيتو تانزي) بأنه " تعمد مخالفة مبدأ التحفظ الحرص على تطبيق قواعد العمل في التعامل مع كافة الأطراف بهدف الحصول على مزايا شخصية أو مزايا لذوي الصلة " [2]
و يعرفه (dorff Lamber (بأنه " مخالفة القواعد التي تحكم اللعبة بطريقة لا يتوقعها الآخرون ويمكن أن يترتب على هذه المخالفة منافع الأكثر من طرف " .[3]
 " ويقصد بالفساد الإداري إساءة استعمال السلطة الحكومية للحصول على مكاسب أو منافع خاصة[4] بالمخالفة لما تنص عليه القواعد أو القوانين أو التشريعات أو اللوائح الحاكمة للعمل الحكومي " . ويقصد بالفساد الإداري إتيان أفعال تمثل أداء غير سليم أو إساءة أو استغلال لوظيفة تنطوي على سلطة ، بما في ذلك أفعال الامتناع توقعا لميزة أو للحصول على مزية يوعد بها أو تعرض أو تطلب بشكل مباشر أو غير مباشر ، أو إثر قبول مزية ممنوحة بشكل مباشر أو غير مباشر سواء للشخص ذاته أو لصالح شخص[5]  آخر " " ويقصد بالفساد الإداري الخروج عن القانون والنظام وعدم الالتزام بهما، أو استغلال غيابهما من أجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للفرد أو جماعة معينة، فهو سلوك يخالف الواجبات الرسمية [6]  للمنصب العام تطلعا لتحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية " .  [7]" وهناك من يرى أن الفساد أزمة أخلاقية يعرف على أنه سلوك لا أخالقي للموظف العام " .
أسباب الفساد الإداري و مظاهره :
أوال : أسباب الفساد الداري . الفساد الإداري هو نتاج لمجموعة من العوامل والأسباب المتداخلة و المتشابكة ، والتي لا يمكن تحييد احدها عن الآخر، فكلها ساهمت من قريب أو بعيد ولو بشكل متفاوت بتنامي واستفحال هذه الظاهرة المرضية الخبيثة كالجرثومة في جسم المؤسسات الحكومية ، وبشكل عام يمكن إجمال أهم الأسباب المؤدية للفساد الإداري في النقاط التالية:  له أهميته الخاصة في نشأة
1- الأسباب الاجتماعية للفساد الإداري " :تعد العوامل الاجتماعية والثقافية سببا الفساد الإداري وانتشاره داخل المجتمع الجزائري ،وتؤكد بعض القيم الثقافية التقليدية السائدة في الدول النامية على فكرة العائلة الممتدة، وارتباط الفرد بعائلته وأقاربه وأصدقائه وأبناء قريته التي ينتمي إليها؛ ولذلك يتوقع منه في الجهاز الإداري بالدولة، أن يقدم خدماته لهؤلاء الأفراد الذين تربطه بهم صالت مهما إداريا حالة توليه منصبا خاصة ، وتتمثل هذه الخدمات في إيجاد الوظائف وفرص التعليم والحصول على مزايا عينية وأدبية، ويصل الأمر إلى مخالفة القانون أو مبدأ تكافؤ الفرص، من أجل محاباة الأهل والأصدقاء، ما يترتب عليه ظهور قيم الفساد بكافة صوره في ممارسة الوظيفة العامة " ، إن تصدع منظومة القيم والأخلاق لدى الموظفين الحكوميين من أكبر المسببات الاجتماعية التي تسهم في إشاعة الفساد الإداري في المؤسسات الحكومية ، فتراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية )الأسرة والمدرسة ودور العبادة( عن لعب أدوارها في صقل وتنشئة وتهذيب سلوك أبنائها سمح بخلق جيل فاسد من الموظفين الحكوميين ، إن عدم الاهتمام بالجانب السلوكي التربوي للأطفال من خلال غرس القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة في نفوسهم منذ الصغر سوف يؤذي حتما في المستقبل إلى انتهاج سلوكيات غير حميدة كقبول الرشوة وعدم مسؤولية وعدم احترام القانون ، ويمكن إيجاز بعض الأسباب الاجتماعية المؤدية للفساد الإداري ومن أهمها:
 - سيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على النسب والقرابة
-  عدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب
- حب الترف، الطمع والجشع، وغياب القدوة الحسنة
- انتشار الجهل والتخلف والفقر ونقص معرفة الأفراد بحقوقهم " فغالبا ما يكون العامل الأساسي لفساد الموظف العام ووقوعه في براثن هذا الوباء هو حاجته الماسة للنقود، فهو دافعه في أغلب الأحيان إلى ارتكاب العمل الفاسد . [8]
- ويعد الفقر وتدني معدلات الأجور من الأسباب التي تؤدي إلى شيوع الفساد في المجتمع وخاصة عندما تكون . الرواتب تشكل عصب حياة الموظف العام
2 - الأسباب الاقتصادية للفساد الإداري :تلعب العوامل الاقتصادية السائدة في بعض المجتمعات ا دور ا ً مؤثر في انتشار قيم الفساد وتغلغلها في أحشاء المجتمع، وتزداد فاعلية هذه العوامل بصفة خاصة في الدول التي تتبنى سياسة إنمائية رأسمالية محورها التركيز على اعتبارات النمو الاقتصادي الحر، دون الاهتمام بتحقيق المساواة في تكافؤ الفرص والعدالة في التوزيع الثروة والدخل ، ويترتب على ذلك ظهور شرائح اجتماعية جديدة تمتلك الثروة دون أن يكون لها نفوذ إداري ، عندئذ تلجأ تلك الشرائح إلى شراء الذمم واستمالة أصحاب النفوذ الإداري باستخدام أساليب فاسدة، كالرشوة والعمولات والإغراءات المختلفة التي تقدم للمسئولين ، بهدف الحصول على منافع ومصالح خاصة ، لا سيما أن الكثير من الموظفين الحكوميين خصوصا في الدول النامية يعانون من نقص كبير في الرواتب والامتيازات ، ما يعني عدم قدر تهم على الوفاء بمتطلبات المعيشة الكريمة ، ومن هنا يجد الموظفين أنفسهم مضطرين لتقبل الهدايا والرشاوى والإكراميات من طرف تلك الفئة الفاسدة ليسدوا النقص المادي الناتج عن ضعف رواتبهم " إن انخفاض مستويات الأجور في القطاع العام مقارنة بالقطاع الخاص يؤدي إلى تقاضي فتدني رواتب وأجور الموظفين الحكوميين وارتفاع مستوى الموظف الرشوة لتحقيق التوازن مع الإنفاق الخاص " المعيشة يشكل بيئة ملائمة لقيام بعض الموظفين بالبحث عن مصادر مالية أخرى حتى لو باستخدام أساليب الكسب غير المشروع كالرشوة و الاختلاس.
الأسباب القانونية والإدارية للفساد الإداري :يحدث الفساد الإداري في كثير من الأحيان نتيجة لاعتبارات إدارية وقانونية، تتمثل في غياب البنية والمؤسسات، فضال إلى عدم وجود القوانين الرادعة للفساد ، الشيء الذي ً يؤدي هذا إلى إطلاق يد العناصر البيروقراطية و خاصة العناصر العليا منها في تنفيذ ما تراه محققا لمصالحها قائلا" :إن اتجاه الخاصة، مستخدمة في ذلك الأساليب المتنوعة للفساد الإداري، وهذا ما يؤكده (أرثر لويس)  القادة الإداريين استغلال مناصبهم العامة في تحقيق مصالحهم الذاتية، وتكديس الثروات وتقاضي الرشاوى والعمولات، أو من خلال الأساليب التي يلجأ إليها أصحاب رؤوس الأموال الخاصة المحلية والأجنبية لحماية مصالحهم وتجاوز الإجراءات الروتينية المعقدة للإدارات البيروقراطية، بتقديم الرشاوى والعمولات إلى مديري تلك الإدارات، حيث يترتب على هذه الأوضاع ظهور الفساد في ممارسة الوظيفة العامة " وقد يرجع الانحراف الإداري عموما إلى الأسباب القانونية والإدارية التالية غياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة ومدونات السلوك للموظفين في القطاع العام. سوء صياغة القوانين واللوائح المنظمة للعمل، وذلك نتيجة لغموض مواد القوانين أو تضاربها أو تعدد وتعقد إجراءاتها في بعض الأحيان، الأمر الذي يعطي الموظف الفرصة للتهرب من تنفيذ القانون والالتفاف عليه، أو الذهاب إلى تفسيره بطريقته الخاصة التي قد تتعارض مع مصالح المواطنين. - الإدارة البيروقراطية والمركزية وعدم السماح للموظفين بالمشاركة في التسيير واتخاذ القرارات الإدارية ورسم سياسة المؤسسة الحكومية. - غياب التشريعات والأنظمة التي تكافح الفساد الإداري وتفرض العقوبات على مرتكبيه.
- ضعف أجهزة الرقابة الداخلية في المؤسسات والشركات الحكومية. - استمرار واستيطان أصحاب المناصب الإدارية والحكومية في مراكزهم. - إغراق المسئولين في حياة الرفاه من خلال المزايا الكبيرة الممنوحة لهم كالسيارات الفخمة و الاقامات الفاخرة
3 - الاسباب السياسية للفساد الإداري ": ففيما يتعلق بالجوانب والأسباب السياسية الملازمة لظاهرة الفساد، ً يمكن القول أن عوامل مختلفة تقف وراء شيوع هذه الظاهرة تتناغم في شدتها ودرجتها طرديا مع تنامي ظاهرة الفساد، منها عدم وجود نظام سياسي فعال يستند إلى مبدأ فصل السلطات وتوزيعها بشكل انسب أي غياب دولة المؤسسات السياسية والقانونية والدستورية، وعند هذا المستوى تظهر حالة غياب الحافز الذاتي لمحاربة الفساد في ظل غياب دولة المؤسسات وسلطة القانون والتشريعات تحت وطأة التهديد بالقتل والاختطاف والتهميش والإقصاء الوظيفي وهناك عامل آخر يتعلق بمدى ضعف الممارسة الديمقراطية وحرية المشاركة الذي يمكن أن يسهم في تفشي ظاهرة الفساد الإداري والمالي ذلك أن شيوع حالة الاستبداد السياسي والدكتاتورية في العديد من البلدان يسهم بشكل مباشر في تنامي هذه الظاهرة وعندها يفقد النظام السياسي أو المؤسسة السياسية شرعيتها في [9] السلطة وتصبح قراراتها متسلطة بعيدة عن الشفافية " فأغلب الباحثين يتفقون على أن أكثر النظم ا ً إفراز للفساد الإداري ومظاهره هو النظام الديكتاتوري الأبوي ،Rule Patrimonial  الذي يتركز في شخصية حاكم مستبد يتمتع بسلطة مطلقة تصل عادة إلى حد الاستبداد الكامل وتحيط به نخبة محدودة من أهل الثقة، الذين يتصفون بالولاء الكامل لشخصه، ويعملون على إجهاض روح المبادرة والرقابة الشعبية والإدارية، ما يشجع على ظهور صور الفساد المختلفة ، فالسلطة المطلقة مفسدة مطلقة ، وهناك عامل آخر يتعلق بقلة الوعي السياسي وعدم معرفة الآليات والنظم الإدارية التي تتم من خلالها ممارسة السلطة، والذي يرجع عادة إلى عامل نقص الكفاءة والخبرة بين موظفي الإدارات الحكومية، كل هذه العوامل السياسية مجتمعة خلقت جوا من عدم الاستقرار السياسي مما يهيأ الجو للفساد الإداري للانتشار والتنامي ويمكن إجمال عموم المسببات السياسية في النقاط التالية: - عدم وجود نية صارمة من طرف الحكومات في محاربة الفساد الإداري ، فضعف الإرادة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد الإداري ، وذلك بعدم اتخاذ أية إجراءات وقائية أو عقابية جادة بحق عناصر الفساد بسبب انغماسها نفسها أو بعض أطرافها في الفساد الإداري. - ضعف مؤسسات مكافحة الفساد الإداري، بالإضافة إلى تغافل الجهات الرقابية العامة عن التعامل مع الصفقات المشبوهة وعمليات السمسرة. - "عدم تطبيق نظام المساءلة بشكل دقيق على جميع أجهزة الدولة[10] "   - "تمتع بعض المسئولين بحصانات تجعلهم بمنأى عن المحاسبة، واقتصار المحاسبة على صغار الموظفين دون الكبار " . - عدم تكريس الحكومات لمبدأ تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة في توزيع الثروة والدخول.
مظاهر الفساد الإداري: تتعدد مظاهر وصور الفساد وال يمكن حصر هذه المظاهر بشكل دقيق وكامل ، فهو يختلف باختلاف الجهة التي تمارسه أو المصلحة التي يسعى لتحقيقها ، فقد يمارسه فرد أو جماعة أو مؤسسة خاصة أو رسمية أو أهلية ، وقد يهدف لتحقيق منفعة مادية أو مكسب سياسي أو مكسب اجتماعي ، وقد يكون الفساد فردي يمارسه الفرد بمبادرة شخصية ودون تنسيق مع أفراد أو جهات أخرى ، وقد تمارسه مجموعة بشكل منظم ومنسق ، ويشكل ذلك أخطر أنواع الفساد فهو يتغلغل في كافة بنيان المجتمع إداريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ،ويمكن إجمال أهم المظاهر التي يتمثل بها الفساد الإداري في النقاط التالية:
1- الاختلاس والسرقة ونهب المال العام : فمن بين أخطر مظاهر الفساد الإداري المتفشي في المؤسسات الحكومية هو إهدار وتبديد المال العام عن طريق شتى أساليب وطرق التحايل والنهب والسرقة والاختلاس  والإسراف التي ينتهجها بعض الموظفين العامين ، الشيء الذي ساهم في الإضرار بمقدراتنا المالية وتبديد لثرواتنا القومية، الشيء الذي أنهك مختلف المؤسسات الحكومية للمضي قدما، وعرضها للإفلاس و الإغلاق والخصخصة، ومختلف العقوبات والمتابعات القضائية في الوقت الذي كان المجتمع في حاجة ماسة لهذه الأموال للقيام بالمشاريع التي تكفل متطلبات التنمية المنشودة " ونعني باختلاس المال العام حيازة كاملة للشيء بعنصريه المادي والمعنوي بغير رضا مالكه أو حائزه " " كما نعني باختلاس المال العام الحصول على أموال الدولة والتصرف بها بغير وجه  حق ، ويعمل الاختلاس على زيادة اتساع رقعة الاقتصاد الريعي ويطرد النقود خارج دائرة الإنتاج " وتعتبر جريمة الاختلاس جريمة احتيالية يحتاج حدوثها إلى الذكاء والتخصص واصطناع المبررات العقلية والمنطقية ، استنادا إلى المنصب الذي يتولاه المختلس والذي عادة ما يكون من ذوي الخبرة والثقافة والتمرس في إدارة مناصب مالية أو إدارية ، حيث يقوم بالاستعلاء على العهدة المادية أو المعنوية المؤتمن عليها بحكم وظيفته أو صلته المباشرة أو غير المباشرة بالشيء موضع الاختلاس بغير رضا أو علم أو موافقة مالكه أو حائزه ، وتحدث واقعة الاختلاس بصفة منفردة لفرد لا يشترك معه فيها أحد وذلك بسبب ظروف تتعلق به دون غيره تدفع به إلى الجريمة.
2 - الرشوة والربح الغير مشروع : يقول (جونار ميردال) في تحليله للفساد الإداري في دول جنوب آسيا " إن الرشوة صارت من الحقائق الثابتة في الأجهزة الإدارية في هذه الدول، حيث تعاني كل الإدارات الحكومية والوكالات والشركات العامة ومكاتب التصدير واردات الضرائب من انتشار الرشوة على نطاق واسع، بحيث يمكن القول إنه متى أعطيت  السلطة ألي موظف سيكون هناك مجال للرشوة، والتي من دورها لا يسير دوالب العمل الإداري " وتعد الرشوة من أكثر مظاهر الفساد شيوعا وانتشارا وتأثيرا ، والرشوة تعني الحصول على الأموال أو أية منافع أخرى من أجل تنفيذ عمل مخالف ألصول المهنة وهي ليست ظاهرة عابرة أو عرضية إنما ظاهرة مؤثرة يلتمسها كل فرد في تعامل وسلوك الموظف مع عامة المجتمع عندما يريد استغلال سلطته ، وقد عرفت الرشوة انتشارا واسعا عند صغار الموظفين وعند كبار المديرين ، وهي تختلف بشكلها وطبيعتها ، فقد تكون ذات قيمة مادية أو تكون ذات طبيعة عينية ، وقد تأخذ مفاهيم وتفسيرات عدة، فمنهم من يسميها هدية ومنهم من [11] يسميها مساعدة ومنهم من يسميها إكرامية والكل يعي أنها رشوة لا تجوز بأي وجه حق مهما اختلفت تسمياتها
3 - المحاباة والمحسوبية : تعتبر من أكثر مظاهر الفساد خطورة والأصعب عالجا، فهي تنجم عن استغلال المنصب الحكومي للاستفادة الشخصية لمصلحة الفرد و محاسبيه دون وجه حق، فهو فساد ناتج عن سوء نية وسوء قصد مع سبق الإصرار عليه لإعطاء حق من يستحق إلى من لا يستحق ، وأساس التمييز الصلة (الجهوية والرقابية) ، وبذلك تستغل الموارد وتشغل المناصب من قبل غير المؤهلين ، مما يؤدي إلى تركم ثروات هائلة لدى بعض الأفراد ، فتنشأ آثارا سلبية تنعكس على حياة المجتمعات والمواطنين نتيجة لهذه الممارسات.
4 - التزوير : ويعد من أخطر الظواهر المنتشرة بكثرة في المؤسسات الحكومية ، ويقصد به اصطناع الأوراق والمستندات، وتقليد التوقيعات والأختام الرسمية أو الحكومية عن طريق الطباعة للشهادات والشيكات والأوراق التجارية والنقود المالية وهذا باستخدام تقنيات تكنولوجية حديثة وقد يحدث التزوير أيضا بالأساليب التقليدية العادية أو اليدوية ، ويعتمد التزوير على الذكاء العقلي وفن التقليد ، وعادة ما يزور الموظف لمصلحته الخاصة أو مصلحة الغير للحصول على ثمن أو مقابل من عملية التزوير ، نستطيع القول أن التزوير يعد جريمة اقتصادية دارية او تعتمد على تقليد ومحاكاة الحقيقة أو اختلاقها أو تحريفها بقصد غش الآخرين ، وهذا من أجل جني أو الحصول على منفعة ومصلحة لشخصه أو غيره.
5 - الابتزاز : وهو سلوك غير أخالقي متفشي لدى الكثير من المسئولين الكبار في المؤسسات الحكومية ، ويقصد به قيام كبار العاملين في قمة الهرم الوظيفي في المؤسسات الحكومية بالاحتيال لإجبار المتعاملين معهم على تقديم مبالغ نقدية أو أشياء عينية أو غيرها ، وتهديدهم بأنهم في حالة عدم تقديم ما يطلب منهم يقومون بإيذائهم بدنيا أو نفسيا أو مراقبتهم أو تلفيق التهم لهم أو الإساءة والتشهير بهم بين الناس وعبر وسائل الإعلام ، أو إحالتهم على التحقيق الإداري أو توقيع عليهم جزاءات وعقوبات إدارية ، أو حرمانهم من بعض المزايا ، الأمر الذي يجبر ضحاياهم على الاستجابة والرضوخ لتهديداتهم ودفع أو تقديم المقابل المالي أو العيني أو العالقة غير المشروعة مع النساء والفتيات الخاضعات لنفوذهم وسلطاتهم مقابل الترقية أو الحوافز المكافئات.
6 - الواسطة : فمن بين أهم مظاهر الفساد الإداري المتفشي في إداراتنا العامة استعمال الواسطة وتعد الواسطة من الظواهر الاجتماعية العامة التي تسود معظم المجتمعات إلا أنها تختلف من مجتمع إلى آخر ، وتعتبر المجتمعات النامية أكثر تأثرا بها وبممارستها من المجتمعات المتقدمة وذلك لبيئتها الحضارية والاجتماعية القائمة على استمرار العالقات الأولية التقليدية وما يرتبط بها من قيم ومعايير ثقافية " وهي تعد وسيلة أو أداة يستخدمها الفرد أو الأفراد للوصول إلى شخص يملك سلطة القرار لتحقيق مصلحة لشخص أو أكثر، وهي خارج القنوات [12]واللوائح التنظيمية الرسمية ، وأحيانا ما تستخدم باسم عاطفة الخير وما يعرف بالشفقة أو الشفاعة .
7 - عدم المحافظة على الأسرار المهنية : فمن بين أهم تمثيلات الفساد الإداري في المنظمات الحكومية هو عدم تكتم بعض الموظفين العاملين بها على أسرار مؤسساتهم ، بحيث نجد البعض منهم قد يجرأ على البوح ببعض الأسرار المتعلقة بالمناقصات الوطنية لكي يرسيها على أحد المتعاملين دون سواه ، أو قد يجرؤون على بيع بعض الأسرار للمؤسسات الخاصة المنافسة.
8 - كثرة وتعقد الإجراءات الإدارية : أيضا من بين تجليات ومظاهر الفساد في الإدارات العامة ومما زاد في تفاقم آثارها السيئة المنتنة هو كثرة وتعقد الإجراءات الإدارية " فمما يلاحظ غموض و إطالة الإجراءات والنظم والتعليمات إلى الحد الذي أصبح فيه المواطن يعتقد أن الموظف يستطيع أن يمنح أو يمنع وأن ينفذ أو يؤجل ذلك ، ونتيجة لذلك فقد وجد المواطن البسيط نفسه مرغما على إتباع وسائل وأساليب التملق والاستعطاف والمحسوبية ، بل تعدى ذلك إلى استعماله بعض الأساليب الغير المشروعة للوصول إلى الموظف وإقناعه بضرورة [13] إنجاز العمل بالسرعة المطلوبة دون تباطؤ أو عرقلة
9 - غياب وانعدام الضمير المهني لبعض الموظفين العامين : أيضا من بين أهم تمثيلات الفساد الإداري في المؤسسات الحكومية هو عدم تجرد واستقامة بعض موظفي الإدارات العامة ، فغالبية السلوكيات التي يتعامل بها الموظفين العامين مع المواطنين لا تخلوا من تحيزهم للاعتبارات الشخصية أو الأسرية أو الطائفية أو العرقية أو السياسية ،وأصبحوا يجيز ون ألنفسهم قبول الهدايا والإكراميات وحتى تورطهم في مختلف أشكال الرشوة ، مما قد يؤذي إلى شراء ضمير وذمة الموظف بشكل فعلي وهذه تعد كارثة حقيقية ، وذلك ألن ظاهرة الرشوة تتجاوز آثارها وسلبياتها سلوك الفرد أو مجموعة الأفراد الذين يمارسونها لتشمل المجتمع بكل قطاعاته ، بحيث أنها تضعف من فاعلية المشاريع الاقتصادية ، كما أنها تحدث خلال خطيرا في منظومة القيم والمثل الاجتماعية ، كما أنها تصيب أجهزة الدولة بالشلل وتحد من فاعليتها في تحقيق الأهداف الطموحة لخطط الدولة الاقتصادية والاجتماعية.
الــمــبــحــث الثاني :  عالقة الفساد الإداري بالتنمية.:
الــمــطــلــب الأول : انعكاسات الفساد الإداري على التنمية.
على المستوى الداخلي ازداد الاهتمام بقضايا الفساد من خلال التشريعات والقوانين، و اهتمام وسائل الإعلام بهذه القضايا مما أثار اهتمام المواطنين والرأي العام. و تشير معظم الدراسات المتخصص الى أن الفساد يميل للازدياد في عهود النمو السريع والتحديث، بسبب القيم المتغيرة ومصادر الدخل والقوة الجديدة والتوسع الحكومي، كما حصل في البلدان الآسيوية التي شهدت تطورا اقتصاديا مدهشا مثل كوريا الجنوبية و سنغافورة وماليزيا، كذلك ينشأ الفساد في مرحلة التحول الى اقتصاد السوق، كما حصل في الإتحاد السوفياتي سابقا وبقية البلدان الاشتراكية عندما بدأت بخوصصة القطاع العام التي تزامنت مع انتشار الفساد السياسي والإداري المنظم وتفشيه ليصل الى حد أصبحت عصابات المافيا مسيطرة على مصير البلد تقريبا، دون أن يعني ذلك أن النظام الاشتراكي لم يعرف الفساد، إذ يكفي للدلالة على ذلك انتشار السوق السوداء والثروات الهائلة للقائمين على تسيير  الشأن العام من كبار المسئولين الى أدنى المستويات . [14] إن التنمية كما بينا آنفا لها أبعادا متعددة منها : ما هو اقتصادي وآخر اجتماعي وسياسي ،فمفهوم التنمية لم يقتصر على زيادة معدلات النمو ورفع وتيرة الناتج المحلي وتطوير وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين فحسب، بل هي كذلك تغيير جذري في البنية الاجتماعية تؤدي بالمجتمع إلى حالة أفضل اقتصاديا و ا اجتماعيا بالمعايير المتعارف عليها دوليا، كزيادة فعالية الدولة من خلال مؤسساتها في توجيه النشاط البشري وتوفير المناخ الديمقراطي و إتاحة الحريات العامة للمواطنين للمشاركة في توجيه السياسة العامة للبلاد، ولكن يبقى الخطر الذي يتهدد التنمية متمثلا في الفساد بمختلف أشكاله. وفـي هـذا الصـدد يقـول السـيد: (بيتـر ايجـن) رئـيس المنظمـة الدوليـة للشـفافية ": يوجـد الفسـاد فـي كـل بلـد تقريبـا غيـر أن أثـره المـدمر يشـتد فـي البلـدان الناميـة، ألنـه يحـول دون إحـراز أي تقـدم فـي النمـو الاقتصـادي ويعيـق توطيـد أركـان الديمقراطيـة ، ويبـدد الفسـاد المـوارد إذ يزيـغ بالسياسـة الحكوميـة عـن خدمـة مصـالح الأغلبية ويحيـد بهـا عـن تحقيـق مقاصـدها، فيوجـه طاقـات وجهـود المـوظفين والمـواطنين نحـو الكسـب السـريع بـدل القيـام بأنشـطة منتجـة، ويعيـق نمـو روح المنافسـة ويحـبط الجهـود الراميـة الـى تخفيـف حـدة الفقـر ويولـد شـعورا بالامبالات و الارتياب، فالأضرار الناجمـة عـن الفسـاد والتـي تعـدد أشـكال الفسـاد أتـت علـى مشـاريع إنمائيـة تـدعمها نوايـا حسـنة فـي بلـدان الجنـوب وقوضـت الانتقال السياسـي والاقتصادي فـي بلـدان شـرق أوربـا.و اذا كـان الفسـاد فـي البلـد المتقـدم قـد يسـود فـي مكـون واحـد مـن مكونـات النظـام السياسـي ،فـان مشـكل الفسـاد فـي البلـد النـامي الـذي تكـون إدارتـه ومؤسسـاته 1 السياسية ضعيفة يمكن أن يصبح في واقع الأمر جزءا من النظام ."  [15]

الــمــطــلـــب الثاني : تشخيص ظاهرة الفساد الداري على التنمية.
ومـن خلال التجـارب العديـدة التـي مـرت بهـا البلـدان الناميـة فـي عمليـة التنميـة سـواء خلال فتـرة السـتينيات و السـبعينيات مـن القـرن الماضـي التـي عرفـت تجـارب عديـدة رأسـمالية و اشـتراكية، أو خلال مرحلـة الثمانينيـات والتسـعينيات التـي شـهدت موجـة إصلاحات اقتصـادية وسياسـية كثيـرة ،فقـد سـجلت كثيـرا مـن قضـايا الفسـاد سـواء الفسـاد الكبيـر علـى مسـتوى القمـة أو الفسـاد الصـغير علـى مسـتوى القاعـدة، ومـن أمثلـة الفسـاد و الاختلاس فـي الـدول الناميـة ـه ّ أن فـي مصـر سـنة 1992 تـم الكشـف مـن قبـل إدارة مكافحـة التهـرب عنـد قيـام ثالثـة عـاملين فـي مصـلحة الضـرائب بـاختلاس قيمـة الغرامـة الماليـة التـي دفعتهـا إحـدى الفنانـات مقابـل تأخيرهـا فـي سـداد الضـريبة والمقـدرة بحـوالي 9 ألف دولار ولـم يسـجلوا فـي السـجلات سـوى 5 جنيهـات .كمـا قامـت الحكومـة الجزائريـة بحملـة واسـعة ضـد المختلسـين وتـم القـبض علـى 57 مسؤول بمؤسسـات عامـة بتهمـة الرشـوة وتبديـد المـال العـام وهـذا خلال سـنة 1998 [16] وفـي الأرجنتين تـورط بعـض أقـارب الـرئيس الأرجنتيني السـابق كـارلوس مـنعم فـي عمليـة تبـيض أمـوال المخـدرات وبعـد اكتشـاف الأمر اضـطر الأقارب وهـم مـن كبـار رجـال الدولـة إلـى التخلـي عن مناصبهم.
كمـا عرفـت البلـدان المتقدمـة عـدة قضـايا فسـاد ففـي اليابـان مـن أشـهر فضـائح الفسـاد فضـيحة رئـيس الـوزراء السـابق"– هوسـوكاوا "الـذي اسـتطاع تحقيـق أربـاح بلغـت قيمتهـا 200 مليـون يـن يابـاني عـن طريـق بيـع 199 سـهما مـن إجمـالي 300 سـهم مـن شـركة And Telegraph Cemion 1987 سنة ( Telephone Group[17] .  وفـي الباكسـتان قضـت المحكمـة فـي15/ 04/1999 بسـجن رئيسـة الـوزراء الباكسـتانية الراحلـة (بنزيـر بوتـو) وزوجهـا " علـي ازرداري" بالسـجن خمـس سـنوات وغرامـة ماليـة قيمتهـا 8.6 مليـون دولار بعـد[18] اتهامهما بالفساد . وعليـه نلاحظ أن قضـايا الفسـاد شـملت معظـم البلـدان سـواء كانـت متقدمـة أو ناميـة ولكـن مـن الواضـح أن الفسـاد أكثـر تـأثيرا فـي البلـدان الناميـة نظـرا لارتباطه بمشـاريع ذات طـابع اجتماعي وخدماتي موجه إلى فئات عريضة من المواطنين. و بنـاءا علـى ذلـك نجـد أن ّ جـل البلـدان لجـأت إلـى بعـض الإجراءات الوقائيـة للحـد مـن تـأثير [19] الفساد نذكر منها على سبيل المثال ال الحصر: 1 -التصـريح بممتلكـات كبـار المسـؤولين فـي الدولـة قبـل تـولي مناصـب المسـؤولية العامـة و أثناءهـا وبعدها. 6 -إنشـاء أجهـزة رقابيـة ذات فعاليـة وصلاحيات واسـعة تتمتـع بالاستقلال فـي عملهـا وتقـدم تقـارير بشكل دوري وعلني للمواطنين. 3 -العمـل علـى تحسـين المسـتوى المعيشـي للمـوظفين العـاملين فـي الأجهزة الحكوميـة بالشـكل الـذي يتماشى وحاجياتهم الاجتماعية. 4 -تحسـين ومراجعـة التشـريعات والقـوانين التـي تـنظم الصـفقات العموميـة والعمليـات الماليـة لقطـع الطريـق علـى الفسـاد والمفسـدين. وهنـاك عـدة إجـراءات عديـدة اتخـذتها الـدول وحتـى المنظمـات العالميـة للحـد مـن الفساد، ورغم ذلك بقيت .


الــمــطــلــب الثالث : أثر الفساد الإداري على التنمية.
السلوكيات الفاسدة تؤثر على التنمية من خلال بعض المظاهر نذكر منها  : [20]
1 - العقـود الحكوميـة حيـث يمكـن للرشـوة أن تـؤثر علـى اختيـار الأطراف الخاصـة التـي تقـوم بتوريـد السلع والخدمات العمومية .
2 - الامتيازات التـي تمنحهـا الحكومـة فـيمكن للرشـاوى أن تـؤثر علـى تخصـيص الامتيازات النقديـة "التهـرب الضـريبي أو الـدعم أو المعاشـات أو تـأمين البطالـة" أو الامتيازات العينيـة" الحصـول على الرعاية الصحية أو الإسكان أو العقارات."... -
3 - الإيرادات العموميـة : يمكـن استخدام الرشـاوى لتقليـل مبـالغ الضـرائب أو الرسـوم الأخرى التـي تحصلها الحكومة من الأطراف الخاصة .
4 - التـأثير علـى نتـائج العمليـات القانونيـة و التنظيميـة : يمكـن للرشـاوى أن تغيـر مـن نتـائج العمليـات القانونيـة والتنظيميـة وذلـك عـن طريـق حـث الحكومـة إمـا علـى التقصـير فـي وقـف الأنشطة غيـر المشـروعة )مثـل تلويـث البيئـة(، أو محابـاة أحـد الأطراف علـى حسـاب الآخر على غير النحو الواجب في الدعاوى القضائية أو غيرها من الإجراءات القانونية. وعلـى الـرغم مـن الإجراءات الوقائيـة كمـا ذكرنـا فـإن كثيـرا مـن البـاحثين فـي المجـال السياسـي و الاقتصادي يجمعـون أن عمليـة التنميـة الاقتصادية و الاجتماعية فشـلت فشـال ذريعـا فـي معظـم الـدول الناميـة ،رغـم أنهـا كرسـت مجهـودات جبـارة مـن أجـل إحـداث تنميـة مسـتقلة مبنيـة علـى العدالـة الاجتماعية ورغـم الإصلاحات الاقتصادية المتتاليـة التـي قامـت بهـا هـذه الـدول فـإن النتـائج كانـت مغـايرة تمامـا لطموحـات شـعوبها ولـم يـتم التوصـل إلـى أداء سياسـي و اقتصـادي حـدث ي تنميـة حقيقيـة[21] ويعـود سـبب الفشـل إلـى عوامـل متعـددة تختلـف مـن بلـد إلـى آخـر وفـق معطيـات موضـوعية خاصـة بكـل بلـد ولكـن تشـترك فـي معظمهـا فـي وجـود حالات فسـاد كثيـرة أثـرت علـى مسـار التنميـة ،خاصـة فـي ظـل معطيـات العولمـة حيـث أصـبح العـالم سـوق مفتوحـة تنتقـل فيـه رؤوس الأموال والمـوارد البشـر ية، وتشـابك العالقـات التجاريـة...الـخ، وهـذه الوضـعية جعلـت قضـايا الفسـاد أكثـر تعقيـدا وذات أبعـاد محليـة و جهويـة ودوليـة .فالفسـاد عـدو التنميـة وهـو ظـاهرة معقـدة ومركبـة تتـداخل فيهـا قضـايا السياسـة والإدارة والمـال وتمتـاز عملياتـه بأنهـا سـرية ومتشـابكة، ورغـم كـل الإجراءات والتشـريعات والسياسـات الوقائيـة إلا أن الفساد يبقى متواجدا على مختلف المستويات وفي مختلف البلدان.

الـــمــبــحــث الثاني :أسباب الفساد الإداري في الجزائر.
الــمــطــلــب الأول :الأسباب الاجتماعية والثقافية.
1-انتشار وسـيطرة العالقـات الشخصـية فـي الحيـاة الاجتماعيـة والسياسـية المبنيـة علـى الولاءات العشـائرية أو القبليـة و الجهويـة والأسرية و الصـالحية علـى حسـاب العالقـات والمصـالح الوطنيـة فأصـبح الشـعور بالانتماء إلـى هـذه العناصـر السـابقة الـذكر أكثـر أهميـة مـن الانتماء إلـى مصـالح الدولـة الوطنيـة التي يفترض أنها فوق الأشخاص والجهة والمصالح. 2-ظهـور فئـة اجتماعية حققـت رفـاه اقتصادي ومـالي معتبـر فـي ظـرف قياسـي دون أن تكـون تمتلـك مبـررات الحصـول علـى هـذه الثـروات ،وهـذا نتيجـة ألعمـال الفسـاد والرشـوة والمحسـوبية والمتـاجرة بالمـال او الأعمال المقاولاتية ...الـخ، ممـا جعـل كثيـرا مـن أفـراد المجتمـع ينظـر العـام والغـش فـي الصـفقات نجـاز إلـى هـذه الفئـة علـى أسـاس أنهـا فئـة )شـطار(، وجعـل سـلم القـيم يصـبح فـي غيـر موضـعه الحقيقـي فأصبح الفاسد والراشي والغشاش )شاطر( في الخطاب الشعبي. 3-انتشار مظـاهر الفقـر والتهمـيش الاجتمـاعي لـدى فئـات عريضـة مـن المجتمـع، ممـا جعلهـا عرضـة الابتزاز أصـحاب المـال والوظـائف والمناصـب المهمـة، سـواء فـي شـراء أصـواتهم خلال الحملات الانتخابيـة أو عـدم تطبيـق قـوانين وتشـريعات العمـل عنـد تشـغيلهم، أو حتـى اسـتعمالهم فـي تجـارة الممنوعات كالمخدرات والسلاح والدعارة وكل مظاهر الفساد المرتبطة بالفقر والتهميش الاجتماعي.
الــمــطــلــب الثاني :ا لأسباب السياسية . [22]
1-  لا يختلـف اثنـان فـي القـول أن التسـلط هـو منبـع الفسـاد وكـل نظـام اسـتبدادي وشـمولي يسـتخدم القمـع والفسـاد والزبونيـة فـي إدارة الشـؤون العامـة، يعجـز عـن وضـع حـد لفسـاد النخبـة وتطهيـر المؤسسـات مـن العناصـر الفاسـدة التـي يسـتعملها للحفـاظ عـن استقراره وديمومتـه وهـو حالـة النظـام الجزائـري فـي كثيـر من مراحله .
.ضـعف البنيـة المؤسسـية السياسـية والإدارية وغيـاب المحاسـبة والشـفافية فجـل المؤسسـات السياسـية  منقوصـة الشـرعية )برلمـان، أحـزاب، حكومـة...الـخ(  [23]كمـا أن المؤسسـات الإدارية تعـاني مـن البيروقراطية والرشوة و الجهوية والمحاباة مما يفقدها المصداقية لدى المواطن.
0 .ضـعف مفهـوم المواطنـة وعـدم وجـود عقـد اجتماعي لعالقـة الحكـام بـالمحكومين، مـن خلال دسـتور واضـح ومحـدد وعصـري، يسـتجيب لحاجيـات التطـور كحريـة التعبيـر وحـق الاعتقاد وتأسـيس الأحزاب والجمعيـات والنقابـات، وضـعف المشـاركة السياسـية، وتفشـي الأمراض الاجتماعيـة مثـل الجهويـة 1 وغيرهـا . وهـذه المواصـفات تنطبـق علـى جـل البلـدان الناميـة ومنهـا الجزائـر التـي لـم تعـرف تحـول حقيقي إلى نظام ديمقراطي تتجسد فيه صفات المواطنة الحقة.
0.ضـعف أجهـزة الرقابـة فـي الدولـة وعـدم استقلاليتها وتهمـيش أدوارهـا ،حيـث نصـب المرصـد الـوطني لمكافحـة الفسـاد والوقايـة منـه فـي الجزائـر، ولكـن خضـوعه التـام لوصـاية الأجهزة الحكوميـة سـيجعله مكتب تسجيل ال أكثر وال أقل. 0.عـدم الاسـتقرار السياسـي أو رفـض التـداول السـلمي الـديمقراطي علـى السـلطة ،وخاصـة فـي المرحلـة الانتقالية التـي أعقبـت توقيـف المسـار الانتخابي فـي 11 جـانفي 1992 والتـي ترتبـت عليهـا مؤسسـات داريـة سياسـية او منقوصـة الشـرعية ،ممـا كـرس سـلوكيات وأخطـاء غيـر خاضـعة للرقابـة ، فطيلـة هـذه المرحلـة التـي امتـدت إلـى غايـة 1994، ومـا بعـدها لـم يقـدم وزيـرا واحـدا اسـتقالته نتيجـة خطـأ أو لتحمـل مسؤولية فشل مشروع ما ،وفي البرلمان لم يقدم وال توصية بإقالة وزير في الحكومات المتعاقبة.
الــمــطــلــب الثالث : الأسباب الاقتصادية.
1 - ضـخامة حجـم المشـاريع فـي القطـاع العـام وصـرف مبـالغ هائلـة عليهـا وتشـعب القنـوات الانفاقية،  مما يغري بعض المواطنين الطامعين في الكسب السريع .
2 - تمتـع المسئولين الحكـوميين بحريـة واسـعة فـي التصـرف وبقليـل مـن الخضـوع إلـى المسـاءلة، فهـم يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية عن طريق قبول الرشاوى .
3 - اتسـاع الهـوة بـين كتلـة الأجور والقـدرة الشـرائية .فـرغم الزيـادات فـي الأجور التـي أقرتهـا الحكومـة ابتـداء مـن 01/01 /2008 فـإن ذلـك لـم يحـدث توازنـا فـي ميزانيـات الأسر نتيجـة الغلاء الفـاحش فـي أسـعار مـواد الاسـتهلاك والخـدمات والزيـادات المسـتمرة فـي أسـعار هـذه المـواد، ممـا جعـل الموظـف العمـومي محـل إغـراءات و رشاوى للحصـول علـى مـوارد ماليـة إضـافية لسـد حاجياتـه الاسـتهلاكية المتزايدة 3
الــمــطــلــب الرابع : الأسباب الإدارية
1 - زيـادة التضـخم الـوظيفي والتنظيمـي للجهـاز الحكـومي وتحولـه إلـى هيكـل هـش، وقـد اقتـرن هـذا التضـخم المؤسسـي بتـداخل وازدواج فـي اختصاصـات أجهزتـه وتفـاقم مشـكلة التنسـيق علـى مختلـف المستويات.  [24]
2 - تحـول الجهـاز البيروقراطـي الحكـومي إلـى مركـز قـوة فـي المجتمـع الجزائـري يسـيطر علـى مـوارد الأمة دون رقابـة خارجيـة فعالـة نتيجـة عـدم وجـود سـلطة تشـريعية فعالـة، وسـلطة قضـائية مسـتقلة، ومكـن هـذا الاختلال النخبـة البيروقراطيـة أن تتحصـن وأن تكتسـب مناعـة ضـد المسـاءلة والحسـاب، وكـذا الإصلاح والتنمية الإدارية.
3- نمـو الأعراض البيروقراطيـة (المرضـية) الجزائريـة مـن إفـراط فـي الرسـمية والشـكلية والجهـود ومقاومـة التغييـر و تحويـل الوسـائل إلـى غايـات، وهـذا أمـر فـتح البـاب للعالقـات الشخصـية، وتقـديم الرشاوى والهدايا، لقضاء المصالح وتجاوز العراقيل البيروقراطية.
الــمــطــلـــب الثالث : مشاركة الجزائر في الآليات الإقليمية و الدولية في مكافحة الفساد.
اكتســـب موضـــوع مكافحــة الفســـاد فـــي العــالم أهميــة كبــرى فــي الســنوات الأخيرة فــي ظــل تنـافي أثــر الفســاد ســـلبا علــــى جهــــود التنميــــة ، و ازديــــاد الإدراك بــــأن مكافحـــة الفســــاد و تعزيـــز جهــــود منعــــه و تضافرها هــــو المدخل الأساس للكثير من عناوين الإصلاح في العالم. فجـرائم الفســاد أصــبحت تــؤرق العديــد مــن دول العــالم لمــا لهــا مــن آثــار اقتصـــــادية و اجتماعيـــــة و سياســـية خطيـــرة علـــى وضـــع و مكانـــة الـــدول ،لهـــذا شـــهدت الســـنوات الأخيرة توافـــق دولـــي واســــع حـــول ضـــرورة مواجهـــة هـــذه الجـــرائم و فـــي ظـــل هـــذا التوافـــق الـــدولي بـــدأت معظـــم دول العـــالم بالعمـــل مـــن أجـــل تعزيــــز قــــدرتها لمكافحــــة الفســــاد مــــن خلال إجراء الإصلاحات التشــــريعية و التنظيميــــة و المؤسســــية ، و تكــــوين المـــــوارد البشــــرية و العمــــل علــــى زيـــــادة الـــــوعي بمخـــــاطر الفســــاد ، و ضــــرورة محاربتـــــه علـــــى مختلف المستويات .
و قـــد جـــاءت "اتفاقيـــة الأمم المتحـــدة لمكافحـــة الفســـاد " الصـــادرة بقـــرار الجمعيـــة العامـــة لألمـــم المتحـــدة رقـــم 58/4 المؤرخ في 31/10/6003 استجابة لهذا الوعي العالمي بخطورة هذه الآفة . و قد وقعت عليها 140 دولة و صادقت عليها 107 دولة تلتزم اتفاقية مكافحة الفساد الدول بما يلي : [25]
1 - منع الفساد من خلال إنشاء هيئات تتولى محاربة الفساد .
2 - منح هذه الهيئات الاستقلالية لتمكينها من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة بمنأى عن أي تأثير .
3 - التعــاون الــدولي علـى مكافحـة الفسـاد و ذلـك بتقــديم أشكال محــددة مــن المســاعدات القانونيــة المتبادلة و تسهيل المطلوبين. و قـــد صـــادقت الجزائـــر بـــتحفظ علـــى اتفاقيـــة الأمم المتحـــدة لمكافحـــة الفســـاد طبقـــا للمرســـوم الرئاســـي رقـــم . 6004 أفريل 19 بتاريخ 168/2004  [26]كمـــا أن الجزائـــر باعتبارهــــا أحـــد البلــــدان الإفريقية التـــي أنشـــأت المبــــادرة الجديــــدة مـــن أجـــل التنميــــة فــــي أفريقيــــا (Nepad (إلى جانــــب نيجيريــــا و جنــــوب إفريقيا و مصـــر و الســــنغال فإنهــــا كانــــت مــــن البلــــدان الأوائل فــــي إطــــار منظمــــة الاتحاد الإفريقي التــــي صــــادقت علــــى اتفاقيــــات الاتحاد الإفريقي للوقايــــة و مكافحـــة الفســـاد ، و التـــي اعتمـــدتها بلـــدان الاتحاد فـــي الـــدورة الثانيـــة التـــي عقـــدت فـــي موبوتــــو)الكونغـــو الديمقراطية( في 11 جويلية 6003. و تعتبـــر الجزائـــر كـــذلك مـــن أوائـــل البلـــدان العربيـــة التـــي صـــادقت علـــى اتفاقيـــة الأمم المتحـــدة لمكافحـــة الفســـــاد و تعمــــل فــــي إطار هياكــــل الجامعـــــة خاصـــــة فــــي مجالســــها الوزاريـــــة ) وزارة الداخليـــــة العــــرب و وزراء العــــدل( علــــى تفعيــــل الآليات القانونيــــة و التشــــريعية و التنظيميــــة لمكافحــــة الفســــاد و الحــــد مــــن تــــأثيره و قــــد حــــث مجلــــس الــــوزراء العــــدل العــــرب فــــي دورتــــه بتــــاريخ 31/10 6004، و 4/11/6004 علــــى توقيــــع و المصــــادقة علـــى اتفاقيـــة الأمم المتحــــدة لمكافحـــة الفســــاد باعتبارهـــا آليــــة ضـــرورية لتعزيـــز التعاون الدولي على مكافحة الفساد و دعم الجهود الوطنية في هذا المجال .





[1]  حمدي عبد العظيم ، عولمة الفساد ط 1 ، الدار الجامعية ، الإسكندرية ، 2008 ، ص 13
[2]  بوریس بيجو فيتش ، آراء في الفساد : الأسباب والنتائج ، مركز المشروعات الدولية الخاصة، واشنطن، 2004، ص23.
[3]  حمدي عبد العظيم ،مرجع سبق ذكره ، ص13.
[4]  نفس المرجع ، ص23.
[5]  نفس المرجع ، ص13.
[6]  بلال خلف السكارنة ، أخالقيات العمل ،ط1، دار المسيرة للنشر والتوزیع،عمان، 2009، ص281.
[7]  ناصر عبيد الناصر ، ظاهرة الفساد، دار المدى ، دمشق ، 2002، ص68.
[8]   هاشم الشمري،إیثار الفتلي، الفساد الإداري والمالي وأثاره الاقتصادية والاجتماعية، ط1 ، دار اليازوي العلمية للنشر والتوزیع،عمان، . 40ص،2011
[9]  یاسر خالد بركات الوائلي ،الفساد اإلداري، مفهومه ومظاهره وأسبابه ، مجلة النبأ، العدد80 ، 2006.
[10]  خالد بن عبد الرحمن آل الشيخ ،الفساد اإلداري من وجهة نظر المدانين بممارسته والمعنيين بمكافحته بالمملكة العربية السعودية ، دراسة غير منشورة، جامعة نایف العربية للعلوم األمنية،المملكة السعودیة،2008، ص404.
[11]  بالل خلف السكارنة ، مرجع سبق ذكره ، ص286.
[12]  فایز الجبالي ،معنى الوساطة وأسبابها لدى الشباب في المجتمع األردني ،دراسة تحليلية من منظور اجتماعي،مجلة مؤتة ، العدد1996، المجلد 21، األردن ،ص78.
[13]  جاسم محمد الذهبي ، الفساد اإلداري في العراق ، مركز المشروعات الدولية الخاصة، واشنطن،2001 ،ص7.
[14]  حسن أبو حمود ، الفساد و منعكساته االقتصادية و االجتماعية،مجلة جامعة دمشق ،المجلد الثامن،العدد الثاني ،سنة2004،ص104.
[15]  بيتر ایجن ،رسالة رئيس المنظمة الدولية للشفافية ، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع مركز التنمية في منظمة التعاون الاقتصادي و التنمية، ندوة الفساد و مبادرات تحسين النزاهة في البلدان النامية المنعقدة في باریس ، 21 و 20 أكتوبر 4112 ، ص2.
[16]  محمد عمر الحاجي ،غسيل األموال، ط4 ، دار المكتبي للطباعة و النشر و التوزیع ، سوریا ، دمشق، ،2000، ص 20.
[17]   نفس المرجع ، ص 38
[18]    نفس المرجع ، ص 40
[19]  حسن أبو حمود ،مرجع سبق ذكره ، ص 449
[20]  شریل و جيرال و دانيال كوفمان ، مرجع سبق ذكره ، ص8.
[21]  األخضر عزي ، و غالم جلطي ،قياس قوة الدولة من خالل الحكم الراشد،مجلة علوم إنسانية ،مجلة الكترونية ، العدد،24 ، الجزائر،مارس 2005 ، ص 5
[22]  على بقشيش ، مرجع سبق ذكره ، ص 2

[23]  عبد المحسن شعبان، الحكم الصالح و التنمية المستدامة، الملتقى الدولي )الحكم الراشد و دوره في التنمية المستدیمة الجزائر( 2001 ،ص1.
[24]  لى بقشيش ، مرجع سبق ذكره ، ص 244.
[25]  لمادة 9 : من اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد،قرار الجمعية العامة رقم 99/1 المؤرخ في 29/91/1112.
[26]  الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،مرسوم رئاسي رقم 04/122 المؤرخ في 19/04/2004 يتضمن التصديق بتحفظ على اتفاقية األمم المتحدة لمكافحة الفساد ، الجريدة الرسمية ،العدد رقم 19، 19 أفريل 1111.

لا يوجد تعليقات

أضف تعليق